
مشروع “خط حديد بغداد–برلين”.. مبادرة ألمانية عثمانية أثارت صراعاً دولياً في مطلع القرن العشرين
كان خط حديد بغداد–برلين أحد أبرز المشاريع الجيوسياسية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إذ سعت ألمانيا والدولة العثمانية إلى ربط أوروبا بالمشرق عبر خط سكك حديدية ضخم يمتد آلاف الكيلومترات، بهدف توسيع التجارة وتعزيز النفوذ السياسي والعسكري.
أثار المشروع منذ طرحه جدلاً واسعاً بين القوى العالمية، واستغرق إنجازه نحو 37 عاماً قبل تشغيل أول قطار بين بغداد وإسطنبول، في زمن كانت خارطة العالم السياسية قد تغيرت جذرياً.
—
مسار المشروع وتحدياته
قضت الخطة الأساسية بمد خط ينطلق من حيدر باشا في الأناضول، مروراً بأنقرة وأضنة وحلب والموصل وصولاً إلى بغداد، مع امتداد نحو الخليج.
لكن اعتراضات دولية فرضت تعديلات كبيرة:
روسيا رفضت مرور الخط قرب مناطق نفوذها، فتم تحويل المسار جنوباً عبر قونية.
بريطانيا عارضت وصول السكة إلى الكويت خشية تنامي النفوذ الألماني، فتم تعديل النهاية إلى البصرة بدلاً من الخليج.
بعد توسعات وإضافة جسور وأنفاق وصل طول الخط إلى 4800 كيلومتر، وهو من أطول المشاريع السككية في ذلك العصر.
—
خلفية سياسية واقتصادية
شهد القرن التاسع عشر نهضة عالمية في السكك الحديدية، ما دفع ألمانيا بقيادة القيصر فيلهلم الثاني إلى السعي للوصول من برلين إلى الخليج العربي، منافسةً بريطانيا وفرنسا.
تزامن ذلك مع إصلاحات السلطان عبد الحميد الثاني الهادفة إلى تقوية الدولة العثمانية وربط ولاياتها عبر شبكة موحدة، ما جعل التعاون الألماني العثماني خياراً استراتيجياً للطرفين.
عام 1903 مُنح الامتياز رسمياً لشركة خطوط حديد الأناضول الألمانية، وبدأ العمل من محطة قونية، بدعم دبلوماسي كبير داخل البلاط العثماني.
—
مناورات سياسية وصراع دولي
أثارت نية مد الخط إلى الخليج توتراً حاداً:
بريطانيا اعتبرت المشروع تهديداً مباشراً لنفوذها.
فرنسا خشيت على مصالحها في بلاد الشام.
روسيا رفضت التوسع الألماني منذ البداية.
وتوصلت بريطانيا وألمانيا في يونيو/حزيران 1914 إلى اتفاق يقضي باحتفاظ ألمانيا بمعظم الخط في الأناضول، مقابل اعترافها باحتكار بريطانيا للمسار داخل العراق.
رغم اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام ذاته، واصل الألمان العمل وصولاً إلى سامراء شمال بغداد، قبل أن تتوقف الأشغال. واستكمل العثمانيون لاحقاً جزءاً من الخط نحو القيارة، لكن الحرب حالت دون إنهاء المشروع.





