أشعلت جدلاً بالبرلمان.. ما قصة “جيل زد” والمصحات الخاصة بالمغرب

أثار قرار حكومي يقضي بإيقاف الدعم الاستثماري الموجه للمصحات الخاصة بالمغرب، موجة من النقاش في الأوساط الصحية والاقتصادية، بالتزامن مع احتجاجات حركة “جيل زد” المُطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، لا سيما بعد تأكيد وزير الصحة المغربي أمين التهراوي، أن الهدف من هذه الخطوة هو إعادة التوازن إلى المنظومة الصحية والحد من هيمنة القطاع الخاص على حساب المستشفيات العمومية.
في المقابل، أكدت جمعيات المصحات الخاصة في المغرب عبر بيان رسمي، أن استثماراتها تتم عبر التمويل الذاتي والقروض البنكية والاكتتاب في الأسواق المالية، دون الاعتماد على أي دعم حكومي، ما أشعل جدلاً جديداً للنقاش بين القطاعات الحكومية الوصية على الصحة والمستشفيات الخاصة، في سياق احتجاجات “جيل زد”، التي تطالب بتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الحكومية الاجتماعية الأكثر احتياجاً وافتقاراً للتجهيزات الطبية.
“جيل زد” يُجهض دعم المصحات الخاصة
في هذا السياق فسّر المهندس المغربي المختص في تحليل السياسات العمومية يوسف الحيرش، في حديثه لـ”العربية.نت” أن تصريحات وزير الصحة المغربي، أمين التهراوي حين إعلانه عن سحب الدعم، قد أغفل توضيح تفاصيل دقيقة تخص الكيفية التي يُمنح بها الدعم للمصحات الخاصة، والمذكورة في ميثاق الاستثمارات ذات الطابع الاستراتيجي التي تنص عليها المادة 15 من المرسوم رقم 2.23.1 الصادر في الجريدة الرسمية في فبراير عام 2023.
وتابع المتحدث، أن وزير الصحة كان عليه أن يوضح للرأي العام، أن هذه المصحات تقدمت بطلبات دعم مشاريعها في القطاع الصحي إلى اللجنة الوطنية للاستثمار التي تدرس الملفات المرشحة للدعم، موضحاً أن الوزير علّق فقط الإجراءات المستكملة لملفات الدعم الممنوح لهذه المشاريع، في حين أن هذه المصحات لم تستفد أصلاً من الدعم الحكومي عكس المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أكدته في بلاغها الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة.
ونبّه الحيرش، أن البلاغات التي خرجت بها إحدى المؤسسات الصحية الخاصة تنقصها التوضيحات السالفة الذكر، حيث أن مؤسسة “أكديطال” التي كانت موضوع جدل على موقع “فايسبوك” لم تستفد فعلا من الدعم ليس لأنها لم تتقدم بطلب الاستفادة، بل لأن الطلبات مازالت قيد الدراسة قبل أن يعلق الوزير مسطرة منح الدعم ذي الطابع الاستراتيجي على جميع المشاريع المترشحة، بعد خروج حركة “جيل زد” للاحتجاج.

وكشف المختص في تحليل السياسات العمومية من خلال توضيحاته لـ”العربية.نت”، أن حوار وزير الصحة المغربي مع إحدى القنوات المحلية، أغفل أحد أهم الملفات التي تدخل ضمن النقاط التي تحتج بسببها حركة “جيل زد”، وهي احتكار سوق الأدوية والصيدلة من طرف شركات عالمية وأخرى مغربية والتي لا تحترم المقتضيات القانونية فيما يخص تسعير الأدوية، مما يقوض حق ولوج المواطن المغربي إلى العلاج ويثقل كاهل المرضى، وفق تعبيره. لاسيما بالنسبة للأدوية التي تعالج أمراض السرطان والأمراض المزمنة، والتي تساهم بشكل كبير في استنزاف صناديق التأمين الاجباري عن المرض، حسب ما كشف عنه.
وذهب الحيرش، إلى أن العديد من الأدوية المعالجة لأمراض السرطان في المغرب، تصل أسعارها عن الدول المرجعية إلى %1000، بغض النظر لما صرح به وزير الميزانية المغربي فوزي لقجع، على أن الفارق بين الأسعار المصرح بها في الجمارك تزيد بأكثر من 300% عن سعرها المسجل في الصيدليات.
وأفاد المهندس المغربي، بأن “هناك احتكارا لصفقات وزارة الصحة فيما يخص المستشفيات الجامعية، مثل العيون، أكادير، الرباط..، والتي تهيمن عليها شركات مقربة من دوائر القرار”. ناهيك عن الصفقات التي تخص مراكز تحاقن الدم التي أصبحت اليوم تحت مسمى الوكالة المغربية للدم ومشتقاته، حيث تحتكر شركة واحدة صفقات تزويد مراكز تحاقن الدم بـ “الكواشف المخبرية”.
الجدل يصل البرلمان
ومن جهته، قال النائب البرلماني رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب المغربي، إن مطالب تحسين الخدمات الصحية هي مطالب مشروعة. ومن غير العادل أن نحمِّل وزير الصحة الحالي وحده كل أوضاع الصحة، فالموضوع فيه تراكُم بكل تأكيد، إيجاباً وسلباً. لكن الحكومة الحالية تتحمل المسؤولية في أمريْن: أولهما هو البطء في تفعيل وتنزيل التشريعات التي صادق عليها البرلمان، والمتعلقة بإصلاح المنظومة الصحية، رغم ارتفاع مخصصات واعتمادات القطاع. والأمر الثاني هو ترويجها (الحكومة) لخطاب يَدَّعي إنجاز كل شيء.
وأوضح النائب البرلماني في حديثه لـ”العربية.نت” أن موضوع “دعم المصحات الخاصة”، سبق وأن أثاره بصفة شخصية مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، وقد أُخبِروا أن هذا النوع من الدعم موجود، لكن تم إيقاف ملفات الاستفادة منه. مشيراً إلى أنه تم رسمياً المطالبة اليوم من وزير الصحة المثول أمام مجلس النواب، لتقديم التوضيحات اللازمة حول طبيعة هذا الدعم العمومي، وحول المرجعيات القانونية التي يستند إليها، والمبالغ التي ستتم تقديمها للمصحات الخاصة. إذ اعتبر حموني، أن المال العام يتعين أن يُنفق في الارتقاء بالمستشفى العمومي، لأن القطاع الصحي الخصوصي يجب ألا يتعدى دوره تكميل دور الدولة في ملء الخصاص الصحي في المدن والبلدات النائية.
المغاربة يؤدون %60 من كلفة العلاج
وأشار النائب البرلماني رشيد حموني، أن كل التقارير الرسمية تشير إلى أن عدداً من المواطنين يوجدون خارج التغطية الصحية، أو أن لهم تأمين صحي لكن يؤدُّون حوالي 60 بالمائة من الكلفة الحقيقية للعلاج. كما تشير ذاتُ التقارير إلى الغلاء الكبير للأدوية، موضحاً أن هذا الواقع له عدة أسباب، من أبرزها: غياب بروتوكولات علاجية موحدة؛ وضُعف الاعتماد على الأدوية الجنيسة، أحياناً بسبب مصالح “لوبيات الاستيراد”؛ وعدم مراجعة التعريفات المرجعية التي على أساسها يتم تعويض الأشخاص المُؤَمَّنين؛ علاوةً على جشع بعض المصحات الخصوصية حيث تسود هناك ممارسات غايتها الأولى هي الربح التجاري من خلال تضخيم الفواتير، وفق ما أوضح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى