
مالي.. إقالة ضباط كبار من الجيش وبوادر تمرد بسبب أزمة “الشمال”
أثار قرار المجلس العسكري في مالي بتسريح عشرة ضباط من الجيش بتهمة “التآمر” و”محاولة زعزعة الاستقرار” أسئلة كثيرة حول ما يحدث في هذه الدولة الواقعة في الساحل الأفريقي بعد عودة التنظيمات المسلحة لفرض سيطرتها على شمال البلاد، ومدى تماسك المؤسسة العسكرية في مواجهة التحديات الحالية. كما أثار هذا القرار شكوكاً حول طريقة إدارة الخلافات، التي بدأت تخرج للعلن، حول كيفية تسيير المرحلة الانتقالية والتحالفات الجديدة لمالي.
وطرد المجلس العسكري مؤخراً 11 ضابطاً، بينهم جنرالان مرموقين يعملان ضمن كتيبة الحرس الوطني، وهو الفيلق الأساسي الذي أسسه وزير الدفاع ساديو كامارا، أحد الشخصيات الرئيسية في المجلس العسكري.
تطهير أم تخبط
يرى المراقبون أن قرار الطرد يؤكد أن التوترات لا تزال مستمرة داخل القوات المسلحة رغم مرور أكثر من 4 سنوات على تولي العقيد أسيمي غويتا السلطة إثر انقلاب عسكري، ويعتبرون أن فصل هذا العدد الكبير من كبار الضباط دفعة واحدة، للمرة الأولى في تاريخ مالي، يشير لتخبط وتشتت داخل صفوف الجيش.
في هذا الصدد يقول الباحث السياسي آداما با إن “هذه الإقالات والاعتقالات تؤكد أن التوترات داخل القوات المسلحة ما زالت قوية ومستمرة رغم وصول الجيش للسلطة منذ عام 2020″، ويضيف: “الاعتقالات نُفِّذت داخل الحرس الوطني وهي وحدة رئيسية في الجيش وقادتها مقربون من قيادات المجلس العسكري”.
وعن طبيعة التهم الموجهة للمعتقلين، يرى الباحث أن بيان الجيش لم يوضح ملابسات ما حدث وأن اكتفائه بتوجيه تهمتي “التآمر” و”محاولة زعزعة الاستقرار” للعسكريين يؤكد “حالة الارتياب والشك التي تنتاب قادة المجلس العسكري من أي قائد يحظى بشعبية وسط الجيش”.
ويضيف الباحث في حديثه لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت” أن “ما حدث تحذير حقيقي لجميع العسكريين ممن يرى قادة المجلس العسكري أنهم يريدون الاستيلاء على السلطة.. لذلك فالمجلس يقوم بحملة تطهير خوفاً من طموح هؤلاء.. حتى وإن كان طموحهم عملي وينصب فقط على إصلاح المؤسسة العسكرية”، حسب تعبيره.
القضاء على بوادر انقلاب
كانت السلطات المالية قد ألقت القبض على ضابط استخبارات فرنسي في العاصمة باماكو بتهمة المشاركة في “المؤامرة”، بينما نفت باريس تورط أي فرنسي فيما يحدث واعتبرت أنها “اتهامات لا أساس لها”. ووفقاً لباريس، فانه رغم إنهاء التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين مالي وفرنسا، فقد استمرت أجهزة استخباراتهما في تبادل المعلومات رغم التوترات.
وتعاني مالي منذ عام 2012 من أزمة أمنية، هددت بانقسامها وأدخلتها في دوامة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية خاصة بعد سيطرة الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش بالإضافة إلى العصابات المسلحة على أجزاء من شمال البلاد.
وقد قوضت هذه الأزمات المتكررة مصداقية الدولة المالية التي فشلت رغم كل المساعدات الدولية في إنهاء حركات تمرد لعدة جماعات مسلحة متشددة تنطلق من أراضيها لمهاجمة دول الساحل الأفريقي. وبسبب فشلها في محاربة المسلحين تركت السلطات السكان الذين يعيشون في مناطق تشهد حالة تمرد، ضحية المتمردين والجماعات المسلحة الذين يقدمون أنفسهم على أنهم بدائل دائمة لسلطة الدولة الغائبة.
لذلك لا يستبعد المراقبون أن تكون أزمة شمال مالي سبباً رئيسياً لأي تمرد عسكري أو توتر سياسي يحصل في البلاد، فالجماعات المسلحة، التي بدأت بتنظيم صفوفها من جديد وحصلت على أسلحة جديدة من بينها طائرات بدون طيار، أضعفت بضرباتها وعملياتها مراكز مهمة للجيش المالي في الشمال وأثارت شكوك حتى الجماعات “المهادنة” في جدوى الإبقاء على توافق مع السلطة الحاكمة في باماكو.