كيف اخترق الموساد البرنامج النووي الإيراني؟ استراتيجيات العمليات السرية وتحديات الحماية

منذ أكثر من عقدين، يُعد البرنامج النووي الإيراني أحد أبرز التهديدات التي تواجه إسرائيل، مما دفع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد إلى تنفيذ عمليات سرية متقدمة لعرقلة تطوره ومنع طهران من امتلاك سلاح نووي. ففي مواجهة هذا التهديد، اتبعت إسرائيل استراتيجية “الإحباط المسبق” التي تتضمن ضربات داخلية، اغتيالات، هجمات إلكترونية، وسرقة وثائق سرية، قبل أن تتطور إلى عمليات مباشرة خلال التصعيد الأخير مع إيران في يونيو 2025.

وفي حديثه مع قناة “الحرة”، أكد توم واريك، الزميل الأقدم في المجلس الأطلسي، أن عمليات الموساد تظهر عمق الاختراق الذي وصلت إليه داخل المؤسسات الأمنية الإيرانية، حيث استطاع الموساد تحديد مواقع العلماء النوويين، وقادات عسكرية، وتنفيذ ضربات جوية دقيقة أدت إلى مقتل العديد منهم، من بينهم محمد مهدي تهرانتشي وفيريدون عباسي-دواني.

وفي إطار استراتيجياته، نجح الموساد في بناء شبكة واسعة من “العملاء المحليين” داخل إيران، جندتهم عبر حوافز مالية أو دوافع معارضة للنظام، ليصبحوا بمثابة “فيلق أجنبي” يدير العمليات من بعيد. هذا النجاح أدى إلى تنفيذ عمليات اغتيال استهدفت عدة علماء نوويين بين 2010 و2012، بالإضافة إلى هجمات إلكترونية مثل فيروس “ستوكسنت” الذي عطل مئات أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز، مما أبطأ تقدم البرنامج النووي الإيراني لسنوات.

وفي عام 2018، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سرقة موسادية ضخمة من أرشيف البرنامج النووي الإيراني في طهران، والتي ساهمت في كشف جوانب خفية من النشاط الإيراني، وأدت إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. كما أن عمليات أخرى، مثل اغتيال محسن فخري زاده في 2020 باستخدام تقنيات متقدمة، توضح مدى تطور قدرات الموساد في عمليات التخفي والتكنولوجيا.

وفي المقابل، تبنت إيران استراتيجيات دفاعية معقدة، تشمل بناء منشآت تحت الأرض كمنشأة نطنز وفوردو، وتطوير مواقع سرية مثل “جبل الفأس” الذي يُعتقد أنه يضم مخزوناً من اليورانيوم المخصب، بحيث يصعب تدميره حتى باستخدام أسلحة متقدمة. ورغم ذلك، نفذت الولايات المتحدة هجمات قصف جوي على منشأة فوردو باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، في محاولة لتعطيل قدرات إيران النووية.

وفي ظل التصعيد، تعمل إيران على حماية علمائها النوويين عبر إخفائهم في أماكن سرية، وتوجيه عمليات مضادة، بما في ذلك اعترافات وادي، أحد العلماء الذين زُعم أنهم تعاونوا مع الموساد. ويُعتقد أن عمليات الاغتيال والاختراقات الموسادية قد تؤخر، لكنها لن توقف، طموحات إيران النووية بشكل كامل، خاصة مع استمرارها في تطوير منشآت سرية وتحديث برامجها الدفاعية.

وفي النهاية، يبقى السؤال: إلى أي مدى ستتمكن إسرائيل من الحفاظ على تفوقها الاستخباراتي، وهل ستنجح طهران في التصدي لهذه العمليات، أم أن التحدي سيظل قائماً في ظل تعقيد المشهد الأمني الإقليمي والدولي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى